الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***
ومن وطئ في الفرج فأنزل أو لم ينزل في إحرام الحج قبل التحلل الأول فقد فسد حجه وعليه المضي في فاسده لما روي عن ابن عمر أن رجلا سأله فقال: إني واقعت امرأتي ونحن محرمان فقال: أفسدت حجك انطلق أنت وأهلك مع الناس فاقضوا ما يقضون واحلق إذا حلقوا فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك واهديا هديا فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم وقال ابن عباس وعبد الله بن عمر مثل ذلك رواه سعيد بن منصور وروي أيضا عن عمر رضي الله عنه ولا مخالف لهم فكان إجماعا ولأنه لا يمكنه التحلل من الإحرام إلا بأفعاله وعليه القضاء على الفور للخبر ولأنه حج واجب بالشرع فكان واجبا على الفور كحجة الإسلام ويجب عليهما الإحرام للقضاء من حيث أحرما أولا أو من قدره إن سلكا طريقا غيرها لأنه قضاء لعبادة فكان على وفقها كقضاء الصلاة ويفسد حج المرأة للخبر ولأنها أحد المتجامعين فأشبهت الرجل وعليها القضاء ونفقة القضاء عليها إن كانت مطاوعة كالرجل وإن كانت مكرهة فعلى الزوج لأنه ألزمها ذلك فكان موجبه عليه ولا فرق بين العمد والسهو والعلم والجهل للخبر ولأنه معنى يوجب القضاء فاستوى فيه ذلك كالفوائت ولا فرق بين الوطء في القبل والدبر من آدمي أو بهيمة لأنه وطء في فرج أشبه وطء فرج الآدمية.
ويتفرقان في القضاء لأن ابن عباس قال: ويتفرقان من حيث يحرمان حتى يقضيا حجهما وفيه وجهان: أحدهما: أنه يوجب لأن ابن عباس ذكره حكما للمجامع فكان واجبا كالقضاء. والثاني: لا يجب لأنه حج فلم يجب فيه مفارقة الزوجة كغير القضاء ولأن مقصود الفراق التحرز من إصابتها وهذا وهم لا يقتضي الوجوب ومعنى التفرق: اجتناب الركوب معها على بعير واحد والجلوس معها في خباء ولكن يكون قريبا منها يراعي حالها لأنه محرمها.
ومن وطئ دون الفرج أو قبل أو لمس فلم ينزل لم يفسد حجه وإن أنزل ففيه روايتان: إحداهما: يفسد حجه لأنه إنزال عن مباشرة أشبه الوطء في الفرج والأخرى: لا يفسد وهي أصح لأنه فعل لا يجب الحد بجنسه ولا المهر ولا يتعلق به حكم بدون الإنزال أشبه النظر ولا يفسد النسك بغير ما ذكرنا من المحرمات كلها بغير خلاف.
ومن وطئ بعد التحلل الأول وقبل الثاني لم يفسد حجه لأنها عبادة لها تحللان فوجد المفسد بعد أولهما لا يفسدها كالصلاة ولكنه يخرج إلى الحل فيحرم ليطوف للزيارة بإحرام صحيح وإن وطئ المعتمر في عمرته أفسدها وعليه إتمامها وقضاؤها كالحج ويتعلق بالماضي في الفاسد من الأحكام وتحريم المحرمات ووجوب الفدية فيها مثل ما يتعلق بالصحيح سواء لأنه باق على الإحرام فتعلق به ذلك كالصحيح.
ومن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج لما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع] رواه الأثرم وعليه أن يتحلل بأفعال العمرة وهي طواف وسعي وتقصير لأن ذلك يروى عن عمر وابنه وزيد بن ثابت وابن عباس رضي الله عنهم قال عمر لأبي أيوب حين فاته الحج: اصنع ما يصنع المعتمر ثم قد حللت وقال ابن أبي موسى: يمضي في حج فاسد يعني: أنه يلزمه المبيت والرمي والصحيح الأول لقول الصحابة ولأن المبيت تبع للوقوف فيسقط بسقوطه ويجب عليه القضاء على الفور. وعنه لا قضاء عليه إن كانت نفلا وإن كانت فرضا فعلها بالوجوب السابق قياسا على سائر العبادات والمذهب الأول لأنه قول الصحابة والمسلمين ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم ولأن الحج يلزم بالشروع فيلزم قضاؤه كالمنذور بخلاف غيره. ويجزئه القضاء عن الحجة الواجبة بغير خلاف لأن الحجة لو تمت لأجزأت عن الواجب فكذلك قضاؤها لأنه يقوم مقام الأداء ويجب على ما فاته الحج هدي. وعنه: لا هدي عليه لأنه لو لزمه هدي لزم المحصر هديان للفوات والإحصار والصحيح الأول لأنه قول الصحابة المسلمين ولأنه حل في إحرامه قبل إتمامه فلزمه هدي كالمحصر ويخرجه من سنة القضاء لما روى سليمان بن يسار: أن هبار بن الأسود حج من الشام فقدم يوم النحر فقال له عمر: انطلق إلى البيت فطف به سبعا وإن كان معك هدي فانحرها ثم إن كان عام قادم فاحجج وإن وجدت سعة فاهد وإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إن شاء الله تعالى رواه الأثرم فعلى هذا العمل لأنه قول منتشر لم يعرف له مخالف فإن عدم الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. وقال الخرقي: يصوم عن كل مد من قيمة الشاة يوما: لأنه أقرب إلى معادلة الهدي كبدل جزاء الصيد وقول عمر رضي الله عنه أولى.
إذا أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم ذلك لأنه لا يؤمن مثل ذلك في القضاء فيشق إن وقع لنفر منهم لم يجزئهم لأنه لتفريطهم وقد روي أن عمر قال لهبار: ما حسبك؟ قال: كنت أحسب أن اليوم يوم عرفة فلم بعذر بذلك.
وإذا حصر المحرم عدو من المسلمين فمنعه المضي فالأفضل التحلل وترك قتاله لأنه أسهل من قتال المسلمين وإن كان مشركا لم يجب قتاله إلا أن يبدأ به لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقاتل الذين أحصروه وإن غلب على ظن المحرم الظفر استحب القتال ليجمع بين الجهاد والحج إن غلب على ظنه خلاف ذلك استحب الانصراف صيانة للمسلمين عن التغرير ثم إن وجد طريقا آمنا لم يجز له التحلل قرب أو بعد لأنه قادر على أداء نسكه فأشبه من لم يحصر فإن كان لا يصل إلا بعد الفوات مضى وتحلل بعمرة وفي القضاء روايتان: إحداهما: يجب لأنه فاته الحج أشبه من أخطأ الطريق. والثانية: لا قضاء عليه لأنه تحلل بسبب الحصر أشبه من تحلل قبل الفوات وإن لم يجد طريقا آمنا فله التحلل لقول الله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حصره العدو بالحديبية فتحلل ولأنه لو لزمه البقاء على الإحرام لحرج لأنه قد يبقى الحصر سنين وله أن يتحلل وقت الحصر سواء كان معتمرا أو مفردا أو قارنا. وعنه: في المحرم في الحج لا يحل إلا يوم النحر ليتحقق الفوات لأنه لا ييأس من زوال الحصر وكذلك من ساق هديا لا يتحلل إلا يوم النحر لأنه ليس له النحر قبل وقته والصحيح الأول للآية والخبر فإن النبي صلى الله عليه وسلم ساق هديا فنحره وحل قبل يوم النحر ولأن الحج أحد الأنساك فأشبه العمرة ولو وقف الحل على يقين الفوات لم يجر الحل في العمرة لأنها لا تفوت.
فإن كان معه هدي لم يحل حتى ينحره لقول الله تعالى: {فما استيسر من الهدي} وله ذبحه حين أحصر. وعنه: إن قدر على المحرم أو على إرساله إليه لزمه ذلك ويواطئ رجلا على اليوم الذي يذبحه فيه فيحل حينئذ لأنه قادر على الذبح في الحرم فأشبه المحصر في الحرم والأول أصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه في الحديبية وهي من الحل باتفاق أهل السير ولذلك قال الله تعالى: {والهدي معكوفا أن يبلغ محله} ولأنه موضع حله فكان موضع ذبحه كالحرم ويجب أن ينوي بذبحه التحلل به لأن الهدي يكون لغيره فلزمته النية ليميز بينهما ثم يحلق لما روى ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا فحالت كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية وهل يجب الحلاق أو التقصير أو لا؟ مبني على الروايتين فيه هل هو نسك أو لا؟ فإن قلنا: هو نسك حصل الحل به وبالهدي وبالنية وإن قلنا: ليس بنسك حصل الحل بهما دونه.
وإن لم يجد هديا صام عشرة أيام ثم حل لأنه دم واجب للإحرام فكان له بدل ينتقل إليه كدم التمتع ولا يحل إلا بعد الصيام كما لا يحل إلا بعد الهدي فإن نوى التحلل قبله لم يحل فكان على إحرامه حتى يذبح أو يصوم لأنه أقيم هاهنا مقام أفعال الحج.
وليس عليه قضاء. وعنه: يجب عليه القضاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى عمرة الحديبية وسميت الثانية عمرة القضية ولأنه حل من إحرام قبل إتمامه فلزمه القضاء كمن فاته الحج. ووجه الأولى: أنه تطوع جاز التحلل منه مع صلاح الوقت له فلم يجب قضاؤه كما لو دخل في الصوم يعتقده واجبا فلم يكن فأما الخبر فإن الذين صدوا كانوا ألفا وأربعمائة والذين اعتمروا معه في القضاء كانوا نفرا يسيرا ولم يأمر الباقين بالقضاء والقضية: الصلح الذي جرى بينهم وهو غير القضاء ويفارق الفوات فإنه بتفريطه.
فإن لم يحل المحصر حتى زال الحصر لم يجز له التحلل لأنه زال العذر وإن زال العذر بعد الفوات تحلل بعمرة وعليه هدي للفوات لا للحصر لأنه لم يحل به وإن فاته الحج مع بقاء الحصر فله الحل به لأنه إذا حل به قبل الفوات فمعه أولى وعليه الهدي للحل ويحتمل أن يلزمه هدي آخر للفوات وإن حل بالإحصار ثم زال وأمكنه الحج من عامه لزمه ذلك وإن قلنا بوجوب القضاء أو كانت الحجة واجبة لأن الحج على الفور إلا فلا. ومن كان إحرامه فاسدا فله التحلل بالإحصار لأنه إذا حل من الصحيح فمن الفاسد أولى فإن زال الحصر بعد الحل وأمكنه الحج من عامه فله القضاء فيه ولا يتصور القضاء للحج في العام الذي أفسده فيه إلا في هذا الموضع.
ومن صد عن عرفة وتمكن من البيت فله أن يتحلل بعمرة لأن له ذلك من غير حصر فمعه أولى وعنه: لا يجوز له التحلل بل يقيم على إحرامه حتى يفوته الحج ثم يحل بعمرة لأنه إنما جاز له التحلل بعمرة في موضع يمكنه الحج من عامه ليصير متمتعا [وهذا ممنوع من الحج فلا يمكنه أن يصير متمتعا].
والحصر والخاص: مثل أن يحسبه سلطان أو غريم ظلما أو بحق لا يقدر على إيفائه والعبد إذا منعه سيده والزوجة يمنعها زوجها كالعام في جواز التحلل لعموم الآية [وتحقق المعنى فيه فأما من أحصره مرض أو عدم نفقة ففيه روايتين: إحداهما: له التحلل لعموم الآية] ولأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى] رواه النسائي ولأنه محصر فأشبه من حصره العدو. والثانية: ليس له التحلل لأن ابن عباس وابن عمر قالا: لا حصر إلا حصر العدو ولأنه لا يستفيد بالحل الانتقال إلى حاله والتخلص من الأذى به بخلاف حصر العدو.
يستحب لمن أتى مكة أن يهدي لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى في حجته مائة بدنة [رواه البخاري ولم يقل في حجته] ويستحب استسمانها واستحسانها لقول الله تعالى: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} قال ابن عباس: هو الاستسمان والاستحسان والاستعظام أفضل الهدي والأضاحي الإبل ثم البقر ثم الغنم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة] متفق عليه. ويجوز للمتطوع أن يهدي ما أحب من كبير الحيوان وصغيره وغير الحيوان استدلالا بهذا الحديث إذ ذكر فيه الدجاجة والبيضة والأفضل: بهيمة الأنعام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى منها فإن كان إبلا سن إشعارها بأن تشق صفحة سنامها اليمنى حتى يسيل الدم ويقلدها نعلا أو نحوها لما روى ابن العباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بذي الحليفة ثم دعا ببدنة فأشعرها في صفحة سنامها اليمنى وسلت الدم عنها بيده رواه مسلم ولأنها ربما اختلطت بغيرها أو ضلت فتعرف بذلك فترد وإن كانت غنما قلدت آذان القرب والعرى لقول عائشة: (كنت أفتل القلائد النبي صلى الله عليه وسلم فيقلد الغنم ويقيم في أهله حلالا) [أخرجه البخاري ومسلم ونحوه] ولا يشعرها لضعفها ولأنه يستتر موضع الإشعار بشعرها وصوفها.
كما لا تجب الصدقة بالمال بخروجه به لذلك ويبقى على ملكه وتصرفه ونمائه له حتى ينحره وإن قلده وأشعره وجب بذلك كما لو بنى مسجدا وأذن بالصلاة فيه وإن نذره أو قال: هذا هدي لله وجب لأنه لفظ يقتضي الإيجاب فأشبه لفظ الوقف وله ركوبه عند الحاجة من غير إضرار به لأن أبا هريرة روى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال: [اركبها] فقال: يا رسول الله إنها بدنة فقال: [اركبها ويلك] في الثانية أو في الثالثة متفق عليه وفي حديث آخر قال: [اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا] رواه أبو داود فإن نقصها ركوب ضمنها لأنه تعلق حق غيره بها وإن ولدت فولدها بمنزلتها يذبحه معها لما روي أن عليا رضي الله عنه رأى رجلا يسوق بقرة معها ولدها فقال: لا تشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها فإذا كان يوم النحر فانحرها وولدها ولأنه معنى تصير به لله تعالى فاستتبع الولد كالعتق وله أن يشرب من لبنها ما فضل عن ولدها لحديث علي ولقول الله تعالى: {لكم فيها منافع إلى أجل مسمى} ولا يجوز أكثر من ذلك للخبر ولأن اللبن غذاء الولد فلا يجوز منعه منه كما لا يجوز منع الأم علفها فإن لم يمكنه المشي حمله على ظهرها لأن ابن عمر: كان يحمل ولد البدنة عليها فإن لم يمكنه حمله ولا سوقه صنع به كما يصنع بالهدي الذي يخشى عطبه وإن كان عليها صوف في جزه صلاح لها جزه وتصدق به لأنها تسمن بذلك فتنفع المساكين وإن لم يكن في جزه صلاح لم يجز أخذه لأنه جزء منها وينفع الفقراء عند ذبحها وإن أحصر نحره حيث أحصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه بالحديبية وإن تلف من غير تفريط لم يضمنه لأنه أمانة عنده فلم يضمنه من غير تفريط كالوديعة فإن تعيب ذبحه وأجزأه لأنه لا يضمن جميعه فبعضه أولى.
وإن عجز عن المشي أو عطب دون محله نحره موضعه وصبغ نعله الذي في عنقه في دمه فضرب بها صفحته ليعرفه الفقراء وخلى بينه وبينهم ولم يأكل منه هو ولا أحد من رفقته لما روى ذؤيب أبو قبيصة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول: [إن عطب منها شيئا فخشيت عليها موتا فأنجزها ثم اغمس نعلها في دمها ثم أضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك] رواه مسلم ولأنه متهم في التفريط فيها ليأكلها أو يطعمها رفقته فمنعوا من أكلها لذلك فإن لم يذبحها عند خوفه عليها حتى تلفت ضمنها لأنه فرط فيها فلزمه ضمانها كالوديعة إذا رأى من يسرقها فلم يمنعه. وإن أتلفها ضمنها لأنه أتلف مالا يتعلق به حق غيره فضمنه كالغاصب ويلزمه أكثر الأمرين من قيمتها أو هدي مثلها لأنه لزمته الإراقة والتفرقة وقد فوتهما فلزمه ضمانهما كما لو أتلف شيئين وإن كانت قيمتها وفق مثلها أو أقل لزمه مثلها وإن كانت أكثر اشترى بالفضل هديا آخر فإن لم يسع اشترى به لحما وتصدق به لأنه أقرب إلى المفوت ويحتمل أن يتصدق بالقيمة وإن أكل مما منع من أكله ضمنه بمثله لحما لما ذكرنا وإن أتلفها غيره فعليه قيمتها لأنه لا تلزمه الإراقة فلزمته قيمتها كغيرها ويشتري بالقيمة مثلها فإن زادت فالحكم على ما ذكرنا فيما إذا أتلفها صاحبها. وإن اشترى هديا فوجده معيبا فله الأرش ويحتمل أن يكون للمساكين لأنه بدل عن الجزء الفائت من حيوان جعله لله تعالى فكان للمساكين كعوض ما أتلف منه بعد الشراء ويكون حكمه حكم الفاضل عن المثل ويحتمل أن يكون له لأن النذر إنما صادف المعيب بدون الجزء الفائت فلم يدخل في نذره فلا يستحق عليه بدله.
ولا يزول ملكه عن الهدي والأضحية بإيجابهما نص عليه وله إبدالهما بخير منهما. وقال أبو الخطاب: يزول ملكه وليس له بيعه ولا إبداله لأنه جعله لله تعالى فأشبه المعتق والموقوف. ووجه الأول: أن النذور محمولة على أصولها في الفرض وفي الفرض لا يزول ملكه وهو الزكاة وله إخراج البدل فكذلك في النذور وأما بيعها بدونها فلا يجوز لأن فيه تفويت حق الفقراء من الجزء الزائد فلم يجز كما لو أخرج من الزكاة أدنى من الواجب ولا يجوز إبدالها بمثلها لأنه تفويت لعينها من غير فائدة تحصل.
ومن وجب في ذمته هدي فعينه في حيوان تعين لأنه ما وجب به معين جاز أن يتعين به ما في الذمة كالبيع ويصير للفقراء فإن هلك بتفريط أو غيره رجع الواجب إلى ما في الذمة كما لو كان له عليه دين فباعه به طعاما فهلك قبل تسليمه فإن تعيب أو عطب فنحره لم يجزئه لذلك وهل يعود المعين إلى صاحبه فيه روايتان: إحداهما: يعود ذكره الخرقي فقال: صنع به ما شاء لأنه إنما عينه عما في ذمته فإن لم يقع عنه عاد إلى صاحبه كمن أخرج زكاته فبان أنها غير واجبة عليه. والأخرى: لا يعود لأنه صارت للمساكين بنذره فلم تعد إليه كالذي عينه ابتداء وهل تعود إلى ذمته مثل المعين أو مثل الواجب في الذمة؟ ينظر فإن تلف بغير تفريط لم يلزمه أكثر مما في الذمة لأن الزائد إنما تعلق بالعين فسقط بتلفها وإن تلف بتفريط لزمه أكثر الأمرين لأنه تعلق بالمعين حق الله تعالى فإن أتلفه فعليه مثل ما فوته وإن ولد هذا المتعين تبعه ولده لما ذكرنا في المعين ابتداء فإن تعيبت الأم فبطل تعيينها ففي ولدها وجهان: أحدهما: يبطل تبعا كما ثبت تبعا. والثاني: لا يبطل لأن بطلانه في الأم لمعنى اختص بها بعد استقرار الحكم في ولدها فلم يبطل فيه كما لو ولدت في يد المشتري ثم ردها لعيبها.
وإذا ذبح هديه أو أضحيته إنسان بغير أمره في وقته أجزأ عنه لأنه لا يحتاج إلى قصده فإذا فعله إنسان بغير إذنه وقع الموقع ولا ضمان على الذابح لأنه حيوان تعين إراقة دمه عل الفور حقا لله تعالى فلم يضمنه كالمرتد.
ويجوز الأكل من هدي التمتع والقران لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن متمتعات إلا عائشة فإنها كانت قارنه لإدخالها الحج على عمرتها وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة قالت: فدخل علينا بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ فقيل: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم عن أزواجه رواه مسلم ولأنه دم نسك فجاز الأكل منه كالأضحية ولا يجوز الأكل من واجب سواها لأنه كفارة فلم يجز الأكل منه ككفارة اليمين وعنه: له الأكل من الجميع إلا المنذور وجزاء الصيد ولا يجوز الأكل من الهدي المنذور في الذمة لأنه نذر إيصاله إلى مستحقيه فلم يجز أن يأكل منه كما لو نذر لهم طعاما وما ساقه تطوعا استحب الأكل منه سواء عينه أو لم يعينه لقول الله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} وأقل أحوال الأمر الاستحباب وقال جابر: أمر النبي صلى الله عليه وسلم من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فأكل منها وحسا من مرقها ولأنه دم نسك فأشبه الأضحية قال ابن عقيل: حكمه في الأكل والتفريق حكمها وقال جابر: كنا لا نأكل من بدننا فوق ثلاث فرخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: [كلوا وتزودوا] فأكلنا وتزودنا رواه البخاري ومسلم ونحوه والمستحب الاقتصار على اليسير في الأكل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في بدنه وإن أطعمها كلها فحسن فإن النبي صلى الله عليه وسلم نحر خمس بدنات ثم قال: [من شاء اقتطع] رواه أبو داود وظاهر هذا أنه لم يأكل منها شيئا ويجوز للمهدي تفريق اللحم بنفسه ويجوز إطلاقه للفقراء استدلالا بهذا الحديث.
إذا نذر هديا مطلقا فأقل ما يجزئه شاة أو سبع بدنة أو بقرة لأن المطلق يحمل على أصله في الشرع ولا يجزئ إلا ما يجزئ في الأضحية ويمنع فيه من العيب ما يمنع فيها وإن عينه بنذره ابتداء أجزأه ما عينه كبيرا أو صغيرا أو حيوانا أو غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [فكأنما قرب دجاجة وكأنما قرب بيضة] وإذا أطلق بالنسبة إلى مكانه وجب إيصاله إلى فقراء الحرم لأن ذلك المعهود في الهدي وإن عين الذبح بمكان غيره في نذره لزمه ذلك ما لم يكن فيه معصية لما روي أن رجلا قال: يا رسول الله إني نذرت أن أنحر ببوانة قال: [هل بها صنم] قال: لا قال: [أوف بنذرك] رواه أبو داود.
ومن وجب عليه دم أجزأه ذبح شاة أو سبع بدنة أو بقرة لقول ابن عباس: في هدي المتعة شاة أو شك في دم فإن ذبح بدنة احتمل أن يكون جميعها واجبا كما لو اختار التكفير بأعلى الكفارات واحتمل أن يكون سبعها واجبا وباقيا تطوعا لأن سبعها يجزئه فأشبه ما لو ذبح شياه. ومن وجب عليه بدنة بنذر أو قتل نعامة أو وطء أجزأه بسبع من الغنم لأنها معدولة بسبع والشياه أطيب لحما وقد روي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: إن علي بدنة وأنا موسر لها ولا أجدها فأشتريها فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن رواه ابن ماجه. وقال ابن عقيل: إنما يجزئ ذلك مع عدم البدنة لأنها بدل فيشترط فيه عدم المبدل والأول أولى لما ذكرناه وإن وجبت عليه بدنة فذبح بقرة أجزأته لما روى جابر قال: كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل له والبقرة؟ فقال: وهل هي إلا من البدن! رواه مسلم وقال ابن عقيل: إن نذر بدنة لزمه ما نواه فإن لم ينو شيئا ففيه روايتان: إحداهما: هو مخير على ما ذكرناه. والثانية: إن لم يجد بدنة أجزأته بقرة. فإن لم يجد فسبعا من الغنم. وعنه: عشر لأنه بدل فلا يجزئ مع وجود الأصل فأما من وجب عليه سبع من الغنم فإنه يجزئه بدنة أو بقرة لأنها تجزئ عن سبع في حق سبعة ففي حق واحد أولى.
وهي سنة مؤكدة لما روى أنس قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما متفق عليه قال أبو زيد: الأملح: الأبيض الذي فيه سواد وقال ابن الأعرابي: هو الأبيض النقي والتضحية أفضل من الصدقة بقيمتهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم آثرها على الصدقة وليست واجبة لأنه روي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما كانا لا يضحيان عن أهلهما مخافة أن يرى ذلك واجبا وروت أم سلمة عن رسول الله قال: [إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظافره شيئا حتى يضحي] رواه مسلم وقال القاضي: هذا نهي كراهية لا تحريم بدليل قول عائشة: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلدها بيده ثم يبعث بها ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدي متفق عليه ويمكن حمل الحديث على ظاهره في التحريم ولا تعارض بين الحديثين لأن أحدهما في الأضحية والآخر في الهدي المرسل ولو تعارضنا لكان حديث أم سلمة خاصا في الشعر والظفر فيجب تقديمه فإن فعل استغفر الله تعالى ولا فدية عليه.
لقول الله تعالى: {ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} ولا يجزئ إلا الجذع عن الضأن والثني من غيره لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا تذبحوا إلا مسنة فإن عسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن] رواه مسلم والثنية من البقر هي المسنة ومن الإبل ما كمل لها خمس سنين قاله الأصمعي ويستحب استحسانها وأفضلها البياض لأنه صفة أضحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ما كان أحسن لونا.
وتجزئ البدنة عن سبعة وكذلك البقرة لقول جابر: كما نتمتع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها رواه مسلم ويجوز أن يشتركوا فيها سواء أراد جميعهم القربة أو بعضهم القربة والباقون اللحم لأن كل سبع مقام شاة ويجوز أن يقسموا أنصباءهم لأن القسمة إفراز حق والحاجة داعية إليه.
ويستحب أن ينحر الهدي والأضحية بيده لحديث أنس ويجوز أن يستنيب فيه لما ذكرنا في الهدي ويجوز أن يستنيب كتابيا لأنه من أهل الزكاة ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم لأنها قربة فالأفضل أن لا يليها كافر بالله. وعنه: لا يجوز أن يليها كافر لذلك ويستحب لمن استناب أن يحضرها لما روى أبو سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: [أحضري أضحيتك يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها] ويقول عند الذبح: بسم الله والله أكبر لحديث أنس وإن قال: اللهم هذا منك ولك اللهم تقبل مني أو من فلان فحسن لما روى جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال على أضحيته: [اللهم هذا منك ولك عن محمد وأمته بسم الله والله أكبر] ثم ذبح وفي رواية قال: [بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد وأمة محمد] ثم ضحى رواه مسلم وليس عليه أن يقول عن فلان لأن النية تجزئ.
وأول وقت الذبح في حق أهل المصر إذا صلى الإمام وخطب يوم النحر لما روى البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى] متفق عليه وفي حق غير أهل المصر قدر الصلاة والخطبة لأنه تعذر في حقهم اعتبار حقيقة الصلاة فاعتبر قدرها وقال الخرقي: المعتبر قدر الصلاة والخطبة في حق الجميع لأنها عبادة يتعلق آخرها بالوقت فتعلق أولها بالوقت كالصوم فمن ذبح قبل ذلك لم يجزئه وعليه بدلها إن كانت واجبة لحديث البراء وآخر وقتها آخر اليومين الأولين من أيام التشريق لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث متفق عليه قال الخرقي: لا يجوز الذبح ليلا لقول الله تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} وقال غيره من أصحابنا: يجوز ليلا لأنه زمن يصح فيه الرمي فصح فيه الذبح كالنهار وقال بعضهم: فيه روايتان فإن فات وقت الذبح ذبح الواجب قضاء لأنه قد وجب ذبحه فلم يسقط بفوات وقته وإن كان تطوعا فقد فاتته سنة الأضحية.
ولا يجزئ في الأضحية معيبة عيبا ينقص لحمها لما روى البراء قال: قام فينا رسول اله صلى الله عليه وسلم فقال: [أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ظلعها والعجفاء التي لا تنقى] رواه أبو داود يعني: التي لا مخ فيها والعوراء البين عورها: التي انخسفت عينها وذهبت فنص على هذه الأربعة الناقصة اللحم وقسنا عليها ما في معناها. ولا تجزئ العضباء لما روى علي رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحى بأعضب الأذن أو القرن قال سعيد بن المسيب: العضب النصف فأكثر من ذلك رواه النسائي يعني التي ذهب أكثر من نصف أذنها أو قرنها وتجزئ الجماء التي لم يخلق لها قرن والصمعاء: وهي الصغيرة الأذن والبتراء: التي لا ذنب لها والشرقاء: التي شقت أذنها والخرقاء: التي انشقت أذنها لأن ذلك لا ينقص لحمها ولا يمكن التحرز منه وغيرها أفضل منها لقول علي رضي الله عنه: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء) قال أبو اسحق السبيعي: المقابلة: قطع طرف الأذن والمدابرة: القطع من مؤخرة الأذن والخرقاء: تشق الأذن للمسة والشرقاء: تشق أذنها السمة رواه أبو داود وهذا نهي تنزيه لما ذكرنا. وقال ابن حامد: لا تجزئ الجماء ويجزئ الخصي لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين موجوءين ولأنه يذهب عضو غير مستطاب يطيب اللحم بذهابه.
ويستحب أن يؤكل الثلث من الأضحية ويهدي الثلث ويتصدق بالثلث لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأضحية قال: [ويطعم أهل بيته الثلث ويطعم فقراء جيرانه الثلث ويتصدق على السؤال بالثلث] قال الحافظ أبو موسى: هذا حديث حسن ولقول ابن عمر: الضحايا والهدايا: ثلث لك وثلث لأهلك وثلث للمساكين وإن أطعمها كلها أو أكثرها فحسن وإن أكلها كلها إلا أوقية تصدق بها جاز وإن أكلها كلها ضمن القدر الذي تجب الصدقة به لقول الله تعالى: {وأطعموا القانع والمعتر} والأمر يقتضي الوجوب وإن نذر الأضحية فله الأكل منها لأن النذر محمول على المعهود قبله والمعهود من الأضحية الشرعية ذبحها ولأكل منها ولا يغير النذر من صفة المنذور إلا الإيجاب. قال القاضي: ومن أصحابنا من منع الأكل منها قياسا على الهدي المنذور.
ولا يجوز بيع شيء من الهدي والأضحية ولا إعطاء الجازر بأجرته شيئا منها لما روي عن علي رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم بدنه وأن أقسم جلودها وجلالها وأن لا أعطي الجازر منها شيئا وقال: [نحن نعطيه من عندنا] متفق عليه ويجوز أن ينتفع بجلدها ويصنع منه النعال والخفاف والفراء والأسقية ويدخر منها لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [كنت نهيتكم من ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم] رواه مسلم ولأن الجلد جزء من الأضحية فجاز الانتفاع به كاللحم.
وإذا أوجب الأضحية بعينها فالحكم فيها كالحكم في الهدي المعين في ركوبها وولدها ولبنها وصوفها وتلفها وإتلافها ونقصانها وذبحها على ما ذكرنا لأن الأضاحي والهدايا معناهما واحد وإيجابها قوله: هذه أضحيتي أو هذه لله ونحوه من القول ولا يحصل ذلك بالشراء مع النية لأنه إزالة ملك على وجه القربة فلم تؤثر فيها النية المفارقة للشراء كالوقف والعتق فإن أوجبها ناقصة نقص يمنع الإجزاء فعليه ذبحها لأن إيجابها كنذر ذبحها فيلزمه الوفاء به ولا يكون أضحية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [أربع لا تجزئ في الأضاحي] ولكنه يتصدق بلحمها ويثاب عليه كمن أعتق عبدا عن كفارة به عيب يمنع الإجزاء ولا يلزمه البدل إلا أن تكون الأضحية واجبة لأنها تطوع وإن زال عيبها قبل ذبحها أجزأت عن الأضحية لأن القربة تتعين فيها بالذبح وهي سليمة حينئذ وإن اشتراها معيبة فأوجبها ثم علم عيبها خرج جواز ردها على جواز إبدالها وقد ذكرناه وله أخذ أرشها وحكمه حكم أرش الهدي المعيب.
وهي الذبيحة عن المولود وهي سنة لما روى سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى ويحلق رأسه] رواه أبو داود وليست واجبة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [من ولد له مولود فأحب أن ينسك عنه فليفعل] رواه مالك في الموطأ والسنة أن يذبح عن الغلام شاتان متساويتان وعن الجارية شاة لما روت أم كرز الكعبية قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة] رواه أبو داود ويستحب ذبحها يوم السابع ويجزئ فيها من بهيمة الأنعام ما يجزئ في الأضحية ويمنع فيها من العيب ما يمنع فيها وسبيلها في الأكل والهدية والصدقة سبيلها إلا أنه يستحب تفصيلها أعضاء ولا يكسر لها يكسر لها عظم لأنها أول ذبيحة ذبحت عن المولود فاستحب أن لا تكسر عظامها تفاؤلا بسلامة أعضائه قالت عائشة رضي الله عنها: السنة شاتان مكافئتان عن الغلام وعن الجارية شاة وكان عطاء يقول: تطبخ جدولا ولا يكسر عظمها ويأكل ويطعم ويتصدق وذلك يوم السابع فإن ذبحها قبل السابع جاز لأنه فعلها بعد سببها فجاز كتقديم الكفارة قبل الخنث وإن أخرها عنه ذبحها في الرابع عشر فإن فات ففي إحدى وعشرين لما روى بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [في العقيقة تذبح لسبع ولأربع عشر ولإحدى وعشرين] أخرجه الحسين بن يحيى بن عياش القطان فإن أخرها عنه ذبحها بعده لأنه قد تحقق سببها.
ويستحب حلق رأس الصبي يوم السابع وتسميته لحديث سمرة وإن سماه قبل ذلك جاز لما روى أنس أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بأخ له حين ولد فحنكه بتمرة وسماه عبد الله متفق عليه وسمى النبي صلى الله عليه وسلم ولده إبراهيم ليلة ولد متفق عليه ويستحب تحسين اسمه لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فاحسنوا أسماءكم] رواه أبو داود وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن] حديث صحيح رواه مسلم ويكره لطخ رأس الصبي بالدم لأنه تنجيس له وهو من عمل أهل الجاهلية قال بريدة كنا نلطخ رأس الصبي بدم العقيقة فلما جاء الإسلام كنا نلطخه بالزعفران.
لا يحل شيء من الحيوان المقدور عليه بغير ذكاة لقول الله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم} إلا السمك وما شبهه مما لا يعيش إلا في الماء فإنه يباح بغير ذكاة وإن طفا لقول النبي صلى الله عليه وسلم في البحر: [هو الطهور ماؤه الحل ميتته] والجراد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [أحل لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال] ولأن ذكاتهما في العادة لا تمكن فسقط اعتبارها وما يعيش من البحري في البر لا يحل إلا بالذكاة لأنه مقدور على ذبحه إلا السرطان فإنه لا ذكاة له فأشبه الجراد [وقال القاضي: لا يباح بغير ذكاة] وعن أحمد رضي الله عنه: أن الجراد لا يباح إلا أن يموت بسبب كتغريقه وطبخه والأول المذهب ولو وجد سمكة في بكن أخرى أو في حوصلة طائر أو جراد أو حبا أو وجد الحب في روث بعير حل لأنه في محل طاهر ولا ذكاة له فأشبه ما مات في الماء وعنه: ما أكل مرة لا يؤكل ثانية لأنه رجيع فيكون مستخبثا ولو صاد الوثني حوتا حل وعنه: لا يحل والأول أصح لأنه لا ذكاة له فأشبه ما لو أخذ ميتا.
وللذكاة أربعة شروط: أهلية المذكي بأن يكون مسلما أو كتابيا أو عاقلا لقول الله تعالى: {إلا ما ذكيتم} وقول سبحانه: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} يعني: ذبائحهم ولا تحل ذكاة وثني ولا مجوسي ولا مرتد وإن تدين بدين أهل الكتاب لأنه لم يثبت له حكم أهل الكتاب ومفهوم الآية تحريم ذبائحهم من سواهم وفي نصارى بني تغلب روايتان: أصحهما: حل ذبائحهم لعموم الآية. والثانية: تحريمها لأن ذلك يروى عن علي رضي الله عنه قال أصحابنا: ولا تحل ذبيحة من أحد أبويه وثني أو مجوسي لأنه اجتمع فيه ما يقضي الحظر والإباحة فغلب الحظر وإن ذبح اليهودي ما حرم عليهم وهو كل ذي ظفر. قال قتادة: هو الإبل والنعام والبط وما ليس بمشقوق الأصابع أو ذبح بقرة أو شاة لم يحرم علينا منه شيء في ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه واختيار ابن حامد لأنه من أهل الذكاة ذبح ما يحل لنا فأشبه المسلم. واختار أبو الحسن التميمي أنه يحرم علينا ما يحرم عليه من الشحم وذي الظفر لأنه لم يبح لذابحه فلم يبح لغيره كالدم ويعتبر العقل فلا تحل زكاة مجنون ولا سكران ولا طفل غير عاقل لأنه أمر يعتبر له العقل والدين فاعتبر له العقل كالغسل وكذلك لو رمى هدفا فذبح صيدا لم يحل ويصح من العدل والفاسق والذكر والأنثى والصبي العاقل والأعمى لما روى كعب بن مالك أن جارية له كانت ترعى غنما بسلع فأصيب منها شاة فأدركتها فذكتها بحجر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها رواه البخاري وقال ابن عباس: من ذبح من ذكر وأنثى وصغير وكبير وذكر اسم الله عليه فكل.
الآلة وهو أن يذبح بمحدد أي شيء كان من حديد أو حجر أو خشب أو قصب إلا السن والظفر فإنه لا يباح الذبح بهما لما روى رافع بن خديج قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر وسأخبركم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة] متفق عليه فإن ذبح بعظم غير السن أبيح في ظاهر كلامه لدخوله في عموم اللفظ وعنه: لا يباح لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل تحريم الذبح بالسن لكونه عظما ويستحب تحديد الآلة لما روى شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإن قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته] رواه مسلم.
أن يسمي الله لقول الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} وحديث رافع فإن تركها عمدا لم تحل ذبيحته وإن تركها سهوا حلت لما روى راشد بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم الله تعالى إذا لم يعتمد] أخرجه سعيد. وعنه: لا تسقط التسمية في عمد ولا سهو للآية والخبر وعنه: لا تجب في الحالين لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن قوما قالوا: يا رسول الله إن قوما من الأعراب يأتونا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ قال: [سموا أنتم وكلوا] رواه البخاري والمذهب الأول. وإن شك في تسمية الذابح حل لحديث عائشة ولأن حال المسلم تحمل على الصحة كالذبح في المحل. والتسمية: قول بسم الله وإن كان بغير العربية وموضعها عند الذبح يجوز تقديمها عليه بالزمن اليسير وإن سمى على شاة وذبح أخرى لم تبح لأنه لم يذكر اسم الله عليها وإن سمى على قطيع وذبح منه شاة لم تبح وإن سمى على شاة ثم ألقى السكين وأخذ أخرى أو تحدث ثم ذبحها حلت لأنه سمى عليها وتقوم إشارة الأخرس مقام تسميته كسائر ما يعتبر فيه النطق.
المحل وهو الحلق واللبة لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه نادى النحر في اللبة والحلق لمن قدر أخرجه سعيد وروي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويشترط قطع الحلقوم وهما مجرى الطعام والنفس. وعنه: يشترط فري الودجين أو أحدهما وهما عرقان محيطان بالحلقوم لما روى أبو هريرة قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان) وهي التي تذبح فيقطع الجلد ولا تفرى الأوداج ثم تترك حتى تموت رواه أبو داود. والأول أولى لأنه قطع لا تبقى الحياة معه في محل الذبح وإن قطع الأوداج وحدها فينبغي أن تحل استدلالا بالحديث والمعنى والأولى قطع الجميع لأنه أوحى وأبلغ من سيلان الدم وتنظيف اللحم منه.
والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى لقول الله تعالى: {فاذكروا اسم الله عليها صواف} ومر ابن عمر [على رجل قد أناخ بدنته لينحرها فقال: ابعثها قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم] متفق عليه ثم يجؤها بالحربة من الوهدة التي بين أصل العنق والصدر لقول الله تعالى: {فصل لربك وانحر} ونحر النبي صلى الله عليه وسلم بدنة ويذبح سائر الحيوان لقول اله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} وذبح النبي صلى الله عليه وسلم الكبشين الذين ضحى بهما فإن ذبح ما نحر أو نحر ما يذبح جاز لأنه لم يتجاوز محل الذبح ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل] ويستحب توجيه الذبيحة إلى القبلة لأن ابن عمر رضي الله عنه كان يستحب ذلك ولأنها أولى الجهات بالاستقبال.
فإن ذبحها من قفاها فأتت السكين على موضع ذبحها وفيها حياة مستقرة حلت لأنها ماتت بالذبح وكذلك ما جرح من غير مذبحه والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع والمريضة ما أدرك ذكاتها وفيها حياة مستقرة حلت لقول الله تعالى: {إلا ما ذكيتم} ولحديث جارية كعب: (إذا أصيبت منها شاة فأدركتها فذكتها بحجر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها) وما لم يبق فيه إلا مثل حركة المذبوح لا يباح لأنه صار في حكم الميت وكذلك لو ذبحها بعد ذبح الوثني لها لم تبح.
ويكره أن يبين الرأس بالذبح وقطع عضو مما ذكى أو سلخه حتى تزهق نفسه لأن عمر رضي الله عنه قال: لا تجعلوا الأنفس حتى تزهق ولا يحرم المقطوع لأن إبانته حصلت بعد ذبحها وحلها ولو ذبحها فسقطت في ماء أو تردت ترديا يقتلها مثله فقال أكثر أصحابنا: لا تحرم لما ذكرنا. وقال الخرقي: تحرم وهو المنصوص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعدي بن حاتم: [فإن وقعت في الماء فلا تأكل] ولأن ذلك يعين على زهوق نفسها فيحصل بسبب مبيح ومحرم.
وإذا ذبح حاملا فخرج جنينها ميتا أو فيه حركة كحركة المذبوح أبيح لما روى أبو سعيد قال: قيل يا رسول الله: إن أحدنا ينحر الناقة ويذبح البقرة والشاة فيجد في بطنها الجنين أيأكله أم يلقيه؟ قال: [كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه] رواه أبو داود ولأنه متصل بها يتغذى بغذائها فكانت ذكاتها ذكاة له كسائر أجزائها ويستحب أن يذبحه ليخرج دمه الذي في بطنه نص عليه وإن خرج وفيه حياة مستقرة لم يبح إلا بالذكاة لأنه مستقل بحياته فأشبه ما ولدته قبل ذبحها.
وإذا ند بعيره أو غيره فلم يقدر عليه صار حكمه حكم الصيد لما روى رافع بن خديج قال: كنا مع النبي في غزاة فأصاب القوم غنما وإبلا فند بعير من الإبل فرماه رجل بسهم فحبسه الله به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا] متفق عليه ولأنه تعذر ذكاته في الحلق فأشبه الصيد ولو تردى في بئر فلم يقدر على ذبحه فجرحه في أي موضع قدر عليه من جسده أبيح لما ذكرناه إلا أن يكون رأسه في الماء أو في شيء يموت به غير الذبح فلا يباح لأننا لا نعلم أن الذبح قتله.
وهو مباح لقول الله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا} وقوله تعالى: {أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم} قال ابن عباس: هي الكلاب المعلمة والبازي وكل ما تعلم الصيد.
من صاد صيدا فذكاه حل بكل حال لحديث أبي ثعلبة وإن أدرك ميتا حل بشروط سبعة: أحدها: أهلية الصائد على ما ذكرنا في الذكاة لأن الاصطياد كالذكاة وقائم مقامها. الثاني: التسمية عند إرسال الجارح أو السهم لما ذكرنا في الزكاة ولا يعفى عنهما في عمد ولا سهو لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا أرسلت كلبك وسميت فكل وإن وجدت معه غيره فلا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على الآخر] متفق عليه. وعنه: يعفى عنها في السهو لما ذكرنا في الزكاة. وعنه: يعفى عن السهو في إرسال السهم لأنه آلته فهو كسكينة ولا يعفى عنه في إرسال الكلب للحديث والأول المذهب. الشرط الثالث: إرسال الجارح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا أرسلت كلبك وسميت فكل] ولأن إرسالها أقيم مقام الذبح فاعتبر وجوده فإن استرسل الكلب بنفسه لم يبح صيده فإن سمى صاحبه وزجره فزاد في عدوه حل صيده لأنه أثر فيه فصار كإرساله وإن لم يزد في عدوه لم يبح لأنه لم يؤثر. الشرط الرابع: أن يكون الجارح معلما لقول الله تعالى: {وما علمتم من الجوارح} ولما روى أبو ثعلبة الخشني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ما صدت بكلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل] متفق عليه. ويعتبر في تعليمه إن كان سبعا ثلاثة أشياء أن يسترسل إذا أرسل وأن ينزجر إذا زجر ولا يأكل إذا أمسك. وهل يعتبر تكرار ذلك منه فيه وجهان: أحدهما: يعتبر ثلاثا ذكره القاضي لأن ترك الأكل في المرة الواحدة يحتمل أنه لشبع أو عارض فيعتبر تكراره ليعلم أنه لتعلمه. والثاني: لا يعتبر ذكره أبو جعفر الشريف وأبو الخطاب لأنه تعلم صنعة فلم يعتبر تكراره كسائر الصنائع وأما الطائر كالبازي والصقر فيعتبر أن يسترسل إذا أرسله ويجيبه إذا دعاه ولا يعتبر ترك الأكل لأن تعليمه بأكله وكل حيوان يقبل التعليم يحل صيده لعموم الآية إلا الكلب الأسود البهيم فإنه لا يحل اقتناؤه ولا صيده لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله وقال: [إنه شيطان] وما وجب قتله حرم اقتناؤه وتعليمه فوجب أن لا يحل صيده. الشرط الخامس: أن يرسله على صيد فإن أرسله على غير شيء أو على إنسان أو حجر أو بهيمة فأصاب صيدا لم يحل لأنه لم يرسله على صيد فأشبه ما استرسل بنفسه ويحتمل أن يحل كما لو أرسله على صيد فصاد غيره وإن أرسله على صيد فأصاب غيره أو قتل جماعة حلت للخبر ولأنه أرسله على صيد فحل ما صاده كما لو أرسله على كبار فتفرقت عن صغار فصادها ولو سمع حسا أو رأى سوادا فظنه صيدا فأرسل عليه كلبه أو سهمه فأصاب صيدا حل لأنه قصد الصيد وإن لم يظنه صيدا لم يبح صيده لأن صحة قصده تبنى على ظنه سواء كان الذي رآه صيدا أو لم يكن. الشرط السادس: أن يجرح الصيد فإن قتله بخنقه أو صدمته لأم يحل لأنه قتله بغير جرح أشبه ما لو رمى بالبندق والحجر. وقال ابن حامد: يباح لعموم قوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم} وعموم الخبر. الشرط السابع: أن يختص السابع وهو ترك الأكل من الصيد وفيه روايتان: إحداهما: هو شرط فمتى أكل الجارح من الصيد لم يحل لما روى عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [فإذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك وإن قتل إلا أن يأكل الكلب فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه] متفق عليه. والثانية: لا يحرم لما روى أبو ثعلبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل وإن أكل] رواه أبو داود والأولى أولى لأن حديثنا أصح ولا يحرم المتقدم من صيوده لأنها وجدت مع اجتماع شروط التعلم فيه فلا تحريم بالاحتمال وإن شرب من دم الحيوان لم يحرم رواية واحدة لأنه لم يأكل ولأن الدم لا ينفع الصائد فلا يخرج بشربه عن أن يكون ممسكا على صائده.
وما أصاب فم الكلب وجب غسله سبعا إحداهن بالتراب كغيره من المحال ويحتمل أن لا يجب لقوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم} ولم يأمر بالغسل ولأنه يشق إيجاب غسله فسقط.
ويباح الصيد بغير الحيوان لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ثعلبة: [ما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل] ولأن أبا قتادة شد على حمار وحشي فقتله قال النبي صلى الله عليه وسلم: [إنما هي طعمة أطعمكموها الله] متفق عليهما فما كان محددا كالسهم والسيف حل ما قتل به إذا اجتمعت الشروط كالمعلم من الجوارح وما لم يكن محددا كالشباك والأشراك والعصي والحجارة والبندق فما أدرك ذكاته حل وما لم يدرك ذكاته لم يحل كغير المعلم لأنه لم يقتل بجروحه فيكون قتيله منخنقة أو موقوذة ولو قتل المحدد الصيد بعرضه أو ثقله لم يبح لذلك ولما روى عدي قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض فقال: [ما خزق فكل وما قتل بعرضه فهو وقيذ فلا تأكل] متفق عليه ولو نصب المناجل لصيد وسمى فجرحت الصيد وقتلته أبيح لأنها آلة محددة فأشبهت السهم ولو وقع السهم على الأرض ثم وثب فقتل الصيد أو أعانته الريح ولولاها ما وصل حل لحديث أبي ثعلبة.
إذا اجتمع في الصيد مبيح ومحرم مثل أن يقتله بمثقل ومحدد أو بسهم مسموم أو بسهم مسلم وبسهم مجوسي أو سهم غير مسمى عليه أو كلب مسلم وكلب مجوسي أو غير مسمى عليه أو غير معلم أو اشتركا في إرسال الجارحة عليه أو وجد مع كلبه كلبا لا يعرف مرسله أو لا يعرف حاله أو وجد مع سهمه سهما كذلك لم يبح الصيد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا أرسلت كلبك وسميت فكل وإن وجدت معه غيره فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على الآخر] ولأن الأصل الحظر فإذا شككنا في المبيح رد إلى أصله وإن علم أن كلبه أو سهمه القاتل دون الآخر مثل أن يجرح في المقتل والآخر في غيره أو يكون الآخر رد عليه الصيد أبيح لعدم الاشتباه وكذلك إن علم أن شريك كلبه أو سهمه مما يباح صيده حل لذلك ولو خرج الصيد فوقع في ماء أو تردى ترديا يقتله لم يبح لذلك وقد روى عدي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل] متفق عليه.
ولو صاد المسلم بكلب المجوسي حل وعنه: لا يحل لقول الله تعالى: {وما علمتم من الجوارح} والأول المذهب لأن هذا آلة فأشبه ما لو صاد بقوسه وسهمه ولو صاد المجوسي بكلب مسلم لم يبح كما لو صاد بقوسه.
وإن رمى صيدا أو أرسل كلبه عليه فغاب عنه ثم وجده ميتا وسهمه فيه أو وجده مع كلبه ولا أثر به يحتمل أن يقتله غيره حل لحديث عدي وعنه: إن غاب نهارا حل وإن غاب ليلا لم يحل. وعنه: إن غاب يسيرا أكله وإن غاب كثيرا لم يأكله لأنه يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما والأول أولى للخبر ولأنه قد وجد سبب إباحته يقينا والمعارض مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك وإن شك في سهمه أو من قتل به أو وجد به أثر يحتمل أنه قتله أو وجد غريقا لم يبح للخبر ولأنه شك في حله فوجب رده إلى أصله.
إذا أدرك الصيد وفيه حياة غير مستقرة فتركه حتى مات حل لأن عقره قد ذبحه وكذلك إن لم يبق من الزمان ما يتمكن من ذبحه فيه وإن وجد فيه حياة مستقرة في زمن يمكن ذبحه فيه فلم يذبحه حتى مات لم يحل لأنه صار مقدورا على ذبحه فلم يبح بغيره كغير الصيد فإن لم يكن معه ما يذكيه به ففيه روايتان: إحداهما: لا يباح لذلك. والثانية: يرسل عليه صائده حتى يقتله فيحل اختارها الخرقي لأنه صيد قتله صائده قبل إمكان ذبحه فأشبه الذي قتله قبل إدراكه.
إذا ضرب صيدا فأبان منه عضوا وبقيت فيه حياة مستقرة فالعضو حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [ما أبين من حي فهو ميت] رواه أبو داود وإن قطعه نصفين أو قطع رأسه حل جميعه لأنه مات بضربته وإن قطع منه عضوا وبقي في سائره حياة غير مستقرة حل جميعه لأنها زكاة لبعضه فكانت ذكاة لجميعه كما لو أبان رأسه وقد استحسن أبو عبد الله رضي الله عنه قول الحسن: لا بأس بالطريدة قال أبو عبد الله: الطريدة: الغزال يمر بالعسكر فيضربه القوم بأسيافهم فيأخذ كل واحد منهم قطعة قال الحسن: ما زال الناس يفعلون ذلك في مغازيهم وعن أبي عبد الله رضي الله عنه: أنه لا يؤكل منه ما أبين في حياته يؤكل سائره للخبر وإن بقي معلقا بجلده حل رواية واحدة لأنه متصل بجملته أشبه سائر أعضائه.
وإذا أثبت الصيد برميته أو شبكته أو غيرهما من آلات الصيد ملكه فإن انفلت من الشبكة زال ملكه عنه لأنه لم يستقر فزال بانفلاته فإن أخذ الشبكة معه فصاده آخر رد الشبكة على صاحبها وملك الصيد إلا أن يكون غير ممتنع بها فيكون لصاحبها لأنا التي أمسكته ومن أمسك صيدا واستقرت يده عليه ثم انفلت لم يزل ملكه عنه لأن اليد استقرت عليه فلم تزل عنه بانفلاته كبهيمة فإن أرسله وقال: قد أعتقتك لم يزل ملكه عنه لأنه ليس بمحمل للعتق.
وإن أثبت الصيد بسهمه فرماه آخر فقتله حرم لأنه صار مقدورا عليه فلم يبح بغير الذبح وعلى الثاني قيمته مجروحا لصاحبه لأنه أتلفه عليه إلا أن يكون سهم الثاني ذبحه فيحل لأنه ذكاه فإن ادعى كل واحد منهما أنه الأول حلف كل واحد منهما وبرئ من الضمان لأن الأصل براءة ذمته وإن اتفقا على السابق وأنكر الثاني كون الأول أثبته فالقول قوله لأن الأصل بقاء امتناعه ويحرم على الأول اعترافه بتحريمه ويحل للثاني وإن رمياه فوجداه مثبتا لم يعلما من أثبته منهما فهو بينهما وإن وجداه ميتا ولم يعلما هل أثبته الأول أم لا؟ حل لأن الأصل بقاء امتناعه والله سبحانه وتعالى أعلم.
الحيوان ثلاثة أقسام: أهلي فيباح منه بهيمة الأنعام لقول الله تعالى: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} والخيل كلها لما روى جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل وقالت أسماء: نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه ونحن بالمدينة متفق عليهما والدجاج لما روى أبو موسى قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم الدجاج متفق عليه والإوز والبط لأنها طيبات فتدخل في قوله تعالى: {أحل لكم الطيبات} وتحرم الحمر لحديث جابر والبغال لأنها متولدة منها والمتولد بين الوحشي والأهلي كذلك وما تولد بين حلال وحرام كالسمع والعسبار كذلك وتحرم الكلاب والسنانير لأنها من السباع وتأكل الخبائث.
الوحشي فيباح منه الحمر لحديث أبي قتادة والأرانب لما روى أنس أنه أخذ أرنبا فذبحها أبو طلحة وبعث بوركها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبله متفق عليه والضباع لما روى جابر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال: [هو صيد] ويجعل فيه كبش إذ صادفه المحرم رواه أبو داود والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح. والضباب لما روى ابن عباس قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بضب فرفع يده فقلت أحرام هو يا رسول الله؟ قال: [لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه] فاحتزه خالد فأكله ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه متفق عليه. ويباح البقر والظباء والنعام والأوبار واليرابيع لأنها مستطابة قضت الصحابة فيها بالجزاء على المحرم وتباح الزرافة نص عليه لأنها من الطيبات المستحسنات. وعنه في اليربوع: أنه محرم لأنه يشبه الفأرة وفي الثعلب روايتان: إحداهما: يحرم لأنه من السباع. والثانية: يحل لأنه يفدى من الإحرام وفي سنور البر روايتان لذلك. ويباح من الطير الحمام وأنواعه والعصافير والقنابر والحجل والقطا والحبارى والكركي والكروان وغراب الزرع والزاغ وأشباهها مما يلتقط الحب أو يفدى من الإحرام وقد روى سفينة قال: أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم لحم حبارى رواه أبو داود. وفي الهدهد والصرد روايتان: إحداهما: يباح لأنها تشبه المباح. والثانية: يحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الهدهد والصرد رواه أبو داود وابن ماجه وكل طير لا يصيد بمخلبه ولا يأكل الجيف ولا يستخبث فهو حلال.
يحرم الخنزير لنص الله تعالى على تحريمه وكل ذي ناب من السباع كالكلب والأسد والفهد والنمر والذئب وابن آوى والنمس وابن عرس والفيل والقرد لما روى أبو ثعلبة (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذي ناب من السباع) متفق عليه وتحريم سباع الطير كالعقاب والبازي والصقر والشاهين والحدأة والبومة لما روى ابن عباس رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير) رواه مسلم وأبو داود. ويحرم ما يأكل الجيف كالنسر والرخم وغراب البين والأبقع والعقعق لأنها مستخبثة لأكلها الخبائث وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: [خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم] ذكر منها الحدأة والغراب وما أبيح قتله لم يبح أكله. وتحرم الخبائث كلها كالفأر والجراذين والأوزاغ والعظا والورل والقنفذ والحرباء والصراصير والجعلان والخنافس والحيات والعقارب والدود والوطواط والخفاش والزنابير واليعاسيب والذباب والبق والبراغيث والقمل وأشباهها لقول الله تعالى: {ويحرم عليهم الخبائث} وقد روى أبو هريرة أن القنفذ ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [هو خبيثة من الخبائث] رواه أبو داود وما لم يذكره يرد إلى أقرب الأشياء شبها به فيلحق به بالإباحة والتحريم لأن القياس حجة وما لم يكن شبيها بشيء منها فهو حلال لقول الله تعالى: {خلق لكم ما في الأرض جميعا} خرج من عمومها ما قام الدليل على تحريمه والباقي يبقى على الأصل.
حيوان البحر يباح جميعه لقول الله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه} إلا الضفدع لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلها ولأنها مستخبثة وكره أحمد رضي الله عنه عن التمساح لأنه ذو ناب فيحتمل أنه محرم لأنه سبع ويحتمل أنه مباح للآية وقال ابن حامد: يحرم الكوسج لأنه ذو ناب وقال أبو علي النجاد: لا يؤكل من البحري ما يحرم نظيره في البر ككلب الماء وخنزيره وإنسانه والأول أولى وقد قال أحمد رضي الله عنه في كلب الماء: يذبحه وركب الحسن بن علي على سرج عليه جلد كلب ماء.
وكره أحمد لحوم الجلالة وألبانها. قال القاضي: هي أكثر علفها النجاسة فإن كان أكثره الطاهر فليست جلالة قال: ولحمها ولبنها حرام وفي بيضها روايتان. وقال أبي موسى عن أحمد رواية أخرى إن أكلها غير محرم لعموم قوله تعالى: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} والأولى ظاهر المذهب لما روى ابن عمر قال: (نهى رسول الله عن أكل الجلالة وألبانها) رواه أبو داود وعن عبد الله بن عمر بن العاص قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإبل الجلالة أن يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها ولا يحمل عليها إلا الأدم ولا يركبها الناس حتى تعلف أربعين ليلة) رواه الخلال ويزول تحريمها وكراهتها بحبسها عن أكل النجاسات ويحبس البعير أربعين ليلة للخبر والبقرة في معناه ويحبس الطائر ثلاثا لأن ابن عمر رضي الله عنه كان إذا أراد أكلها حبسها ثلاثا. وعن أحمد: أن الجميع يحبس ثلاثا لخبر ابن عمر.
وما سقي من الزروع والثمار بالنجاسات أو سمد بها نجس كالجلالة لأنه يتغذى بالنجاسات وتترقى فيه أجزاؤها فأشبه الجلالة ويطهر بسقيها بالطهارات كالجلالة إذا أكلت الطهارات.
وتحرم الميتة والدم للآية وتحرم النجاسات كلها لأنها من الخبائث وتحرم السموم المضرة كما يحرم عليه إتلاف شيء من جسده.
فإن اضطر إلى شيء مما حرم عليه أبيح تناوله لقول الله تعالى: {إلا ما اضطررتم إليه} وفي قدر ما يباح روايتان: إحداهما: قدر ما يسد رمقه اختارها الخرقي لأنه يخرج بأكله عن كونه مضطرا فتزول الإباحة بزواله. والثانية: له الشبع لأنه طعام جاز له سد الرمق منه فجاز له الشبع كالحلال. وهل يجب عليه أكل ما يسد رمقه فيه وجهان: أحدهما: يجب لقول الله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم}. والثاني: لا يجب لأنه تجنب ما حرم عليه وقد روي عن عبد الله بن حذافة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ملك الروم حبسه ومعه لحم خنزير مشوي وماء ممزوج بخمر ثلاثة أيام فأبى أن يأكله وقال: لقد أحله الله لي ولكن لم أكن لأشمتك بدين الإسلام ومن اضطر إلى طعام من ليس به مثل ضرورته لزمه بذله له لأن في منعه منه إعانة على قتله وإن بذله بثمن مثله لمن يقدر على ثمنه لزمه أخذه ولم تحل له الميتة لأنه غير مضطر وإن امتنع من بذله إلا بأكثر من ثمن مثله فاشتراه به لم يلزمه إلا ثمن مثله لأنه اضطر إلى بذل الزيادة بغير حق فلم يلزمه كالمكره وإن منعه منه بالكلية فله قتاله عليه لأنه صار أحق به من مالكه وإن وجد المضطر ميتة وطعاما لغائب فطابت نفسه بأكل الميتة فهي أولى لأن إباحتها ثبتت بالنص فكانت أولى مما ثبت بالاجتهاد وإن لم تطب نفسه بأكلها أكل طعام الغير لأنه مضطر إليه. وإن وجد المحرم ميتة وصيدا فكذلك لأن المحرم إذا ذبح الصيد صار ميتة ولزمه الجزاء فيجتمع فيه تحريمان ومن لم يجد إلا آدميا معصوما لم يبح له قتله لأنه لا يحل وقاية نفسه بأخيه ولا يحل له قطع شيء من نفسه ليأكله لأنه يتلفه يقينا ليحصل ما هو موهوم وإن وجد آدميا مباح الدم فله قتله وأكله لأن إتلافه مباح وإن وجد ميتا معصوما فالأولى إباحته لدخوله في عموم الآية ولأن فيه حفظ الحي فأشبه غير المعصوم اختار هذا أبو الخطاب. وقال غيره من أصحابنا: لا يباح لأن كسر عظم الميت ككسر عظم الحي وإن وجد المضطر خمرا لم يبح شربها لأنها لا تدفع جوعا ولا عطشا ولا فيها شفاء لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم] وإن وجد ماء ممزوجا بخمر يدفع العطش فله الشرب منه لأنه يدفع به الهلاك. وإن غص بلقمة ولم يجد مائعا يدفعها به وخاف الهلاك فله دفعه بها لأنه يحصل بها.
ومن مر بثمرة لا حائط لها ولا ناطر ففيه ثلاث روايات: إحداهن: أنه يأتي ولا يحمل لما روي عن أبي زينب قال: سافرت مع أنس بن مالك وعبد الرحمن بن سمرة وأبي بزرة فكانوا يمرون بالثمار فيأكلون في أفواههم وقال عمر: يأكل ولا يتخذ خبنة. والثانية: يباح ما سقط ولا يرمي بحجر ولا يضرب لما روى رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [لا ترم وكل ما وقع] حديث صحيح. والثالثة: له الأكل إن كان جائعا ولا يأكل إن لم يكن جائعا لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الثمر المعلق فقال: [ما أصاب منه ذي الحاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج منه بشيء فعليه غرامة مثليه والعقوبة] هذا حديث حسن وفي الزرع روايتان: إحداهما: هو كالثمرة لأن العادة جارية بأكل الفريك والباقلاء ونحوهما. والثانية: لا يباح لأن الفاكهة خلقت للأكل رطبة والنفوس إليها أميل بخلاف الزرع وما كان محوطا أو له ناطر فليس له الدخول بحال لقول ابن عباس: إذا كان عليها حائط فهو حريم فلا تأكل وإن لم يكن حائط فلا بأس. وفي لبن الماشية روايتان: إحداهما: هو كالثمرة لما روى الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إذا أتى أحدكم على ماشية فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن فليحتلب وليشرب وإن لم يكن فيها فليصوت ثلاثا فإن لم يجب فليحتلب وليشرب ولا يحمل] حديث صحيح. والثانية: لا يحل له الحلب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه] متفق عليه.
|